شهدت الازمة المالية التي بدأت قبل اكثر من سنة تطورات خطيرة ومتسارعة الاسبوع الماضي اثارت بوادر موجة ذعر في الاسواق.
وتعاقبت الاحداث مع افلاس مصرف "ليمان براذرز" وعملية الاندماج بين "ميريل لينش" و"بنك اوف اميركا" وتحول آخر واكبر مصرفين مستقلين في وول ستريت "مورغان ستانلي" وغولدمان ساكس" الى مجموعتين مصرفيتين قابضتين، واخيرا تدخل الدولة الاميركية بشكل استثنائي وغير مسبوق لانقاذ مجموعة التأمين العملاقة "ايه اي جي" وظهور بوادر موجة ذعر في الاسواق.
وفي مواجهة مخاطر انهيار النظام المالي طرح الرئيس الاميركي جورج بوش خطة انقاذ تقوم على انشاء صندوق خاص من 700 مليار دولار لمساعدة المصارف على التخلص من ديونها المشكوك بتحصيلها، واحيلت الى الكونغرس للمصادقة عليها.
ولا تزال اسئلة عديدة عالقة حول مستقبل النظام المالي وانعكاسات هذه الازمة على الاقتصاد العالمي.
* بعد مصرف ليمان براذرز، هل يمكن لمصارف اخرى اعلان افلاسها؟
- طاولت الازمة الاخيرة فئة محددة من المؤسسات المالية وهي مصارف الاعمال في وول ستريت. وهي معرضة اكثر من سواها لان قسما كبيرا من نشاطاتها على علاقة بالاسواق المالية ولم تكن تستند الى مصارف ودائع كبرى.
وتعتمد مصارف الاعمال هذه حصرا على المصارف الاخرى لاعادة تمويلها. وفي حال وقوع ازمة ترفض المصارف خلالها اقراض بعضها البعض، تكون هذه المصارف معرضة بصورة خاصة للازمة التي يطلق عليها تعبير "ازمة السيولة".
لا شك ان مصارف الودائع ايضا ليست بمأمن من الافلاس نتيجة موجة ذعر بين الزبائن، لكنه من الشائع عموما ان الدولة لا يمكن ان تدع مثل هذا الامر يحصل.
والامثلة على ذلك كثيرة، فقد عمدت الحكومة البريطانية الى تأميم مصرف "نورذرن روك" في ايلول/سبتمبر 2007 كما قامت الحكومة الالمانية بدعم مصرف "اي كا بي" لتجنيبه الافلاس. وفي 1995 جمعت الدولة الفرنسية اصول مصرف "كريديه ليونيه" المشكوك في تحصيلها ضمن بنية خاصة لانقاذ المصرف من الانهيار. وفي واشنطن عمدت الادارة الى اطلاق خطة انقاذ ضخمة بقيمة 700 مليار دولار تقوم على السماح لوزارة الخزانة بان تشتري من المصارف اصولا عقارية عاجزة عن بيعها لاعادة تحريك عجلة القروض.
* وصلت مجموعة ايه اي جي الاولى في العالم للتأمين الى شفير الافلاس. هل تهدد المخاطر شركات تأمين اخرى ايضا؟
- قامت مجموعة ايه اي جي بتنويع نشاطاتها الى جانب نشاطات التأمين التقليدية لا سيما في الاسواق المالية. فكانت تعرض على المصارف تأمينها من مخاطر الاعتمادات غير المحصلة. وازاء حجم التزاماتها وتدهور البيئة المالية، قامت وكالات التقييم بخفض علامات الشركة بشكل مفاجئ ما ارغمها على البحث بشكل سريع عن اموال تسمح لها باستعادة ملاءتها، غير ان ذلك لم يكن ممكنا بدون مساعدة الدولة الاميركية.
ولم تواجه اي شركة تأمين كبرى اخرى حتى الان مخاطر من هذا النوع.
* لماذا قام الاحتياطي الفدرالي الاميركي بانقاذ "ايه اي جي" فيما ترك مصرف ليمان براذرز يعلن افلاسه؟
- اوضح اندريه ليفي لانغ الرئيس السابق لمصرف باريبا ان "الاحتياطي الفدرالي اعتبر بالنسبة لليمان براذرز ان افلاسه لن يكون على قدر كبير من الخطورة لعدم وجود مودعين بين زبائنه". واعتبرت واشنطن بالتالي ان مخاطر انتشار عدوى الافلاس الى النظام المالي بمجمله ضئيلة.
في المقابل، رأت السلطات الاميركية ان افلاس "ايه اي جي" يهدد باثارة ما يعرف ب"مخاطر معممة". وتبقى هذه النقطة موضع جدل. فقد اعتبر دوني كيسلر رئيس مجلس ادارة شركة سكور الفرنسية لاعادة التأمين انه لم يكن يجدر بالدولة الاميركية ان تنقذ "ايه اي جي" ورأى في ذلك تدخلا في قواعد المنافسة.
وقال لاذاعة "بي اف ام" ان "افلاس شركة تأمين لا يترتب عنه العواقب ذاتها مثل افلاس عميل مصرفي. فالظاهرة لا تهدد بان تتعمم في قطاع التأمين واعادة التأمين".
* هل ستؤدي الازمة المالية الى تفاقم وضع السوق العقارية؟
- كانت السوق العقارية تشهد اساسا تراجعا قويا في دول كثيرة بسبب ارتفاع معدلات الفائدة الذي يزيد كلفة القروض ومن تشدد المصارف في مطالبها حيال الزبائن المحتملين لشراء عقارات. وكان العديدون يعتبرون ان هذه "الفورة العقارية" ستخمد ذات يوم في مطلق الاحوال.
وعمدت المصارف الى جمع اموال طائلة لتكون من جديد قادرة على منح قروض، لكن هذه الازمة الجديدة تهدد بمزيد من التدهور في ميزانياتها وقد تبدي مزيدا من التشدد في منح قروض للعائلات الراغبة في شراء منزل.
وتنطبق هذه الظواهر ايضا على قطاع عقارات الشركات الذي يشهد تباطؤا قويا.
• ئهل من الممكن حصول انهيار في البورصات؟
- بدأ الاسبوع الماضي ب"اثنين اسود" لينتهي في فورة استثنائية وارتفاع تاريخي مع ترقب خطة انقاذ القطاع المصرفي التي ارسلتها وزارة الخزانة الى الكونغرس في وقت متأخر الجمعة وبدأت مناقشتها معه الاثنين. وتبقى اسواق البورصة متقلبة للغاية ولا يتوقع احد عودة الهدوء اليها في الوقت الحاضر.
ولا تزال الاسواق عرضة لاي حدث سلبي في القطاع المصرفي فيما تطرح شكوك كثيرة حول امكانيات نجاح خطة واشنطن.
وسجلت البوصات الكبرى في الولايات المتحدة واوروبا تراجعا ما بين 20 و25% منذ سنة ما يعني ان الفورة المالية هبطت كثيرا حتى الان ما يحد من مخاطر حصول انهيار.
وانهيار البورصة هو من حيث تعريفه هبوط بنسبة 20% في يوم واحد او 30% في فترة اطول.
* ما هي العواقب على المدخرين؟
- الذين اودعوا اموالهم في اسهم او سندات تكبدوا خسارة تراجع قيمة مستنداتهم.
اما الذين يحتاجون الى هذه الاموال بشكل فوري او الذين تتوافر اموالهم نقدا (وفق خطة ادخار مستحقة مثلا) فسوف يميلون الى اعادة توظيف اموالهم في استثمارات خالية من اي مخاطر مثل دفاتر الادخار او الايداع التي تعرض المصارف عليها حاليا فوائد مغرية من اجل اجتذاب الودائع واستخدامها في اعادة تمويل نشاطاتها.
في المقابل، سيتوجب على الذين لا تستحق مدخراتهم خلال الاشهر المقبلة (مثل مبالغ التأمين على الحياة مثلا او صناديق التقاعد) والذين يمكنهم الانتظار، ان يتسلحوا بالصبر وينتظروا حتى ترتفع الاسعار مجددا على امل ان تصح القاعدة التي تقول ان اي اموال توظف في البورصة تكون دائما مربحة على المدى البعيد.
* ما ستكون العواقب على المؤسسات؟
- التصلب المتوقع في شروط منح الاعتمادات سيطاول المؤسسات مباشرة لان المصارف ستتشدد اكثر في معايير الاقراض. كما ستجد الشركات صعوبة اكثر من قبل في اللجوء الى السوق من خلال اصدار اسهم او سندات، لاعادة تمويل نفسها.
واوضح اريك هاير الخبير الاقتصادي في "المرصد الفرنسي للوضع الاقتصادي" انه "بعدما حققت استثمارات الشركات ارتفاعا بمعدل 3,1% في السنة بين 1995 و2005، من المتوقع ان تتراجع بنسبة 1,9% عام 2009".
وسيهدد هذا النقص في الاموال بعض الشركات بالتصفية. وتتوقع مجموعة "اولر ارميس" لتأمين القروض تزايد عدد الشركات التي تواجه صعوبات بنسبة 10 الى 15% عام 2008 في فرنسا.
* هل تزيد هذه الازمة الجديدة من مخاطر حصول انكماش اقتصادي؟
- كان الانكماش متوقعا اساسا في عدد من البلدان ويهدد العديد من البلدان الاخرى. ومن المتوقع ان يطاول الانكماش الذي يتميز بنمو اقتصادي سلبي على مدى فصلين متتالين، منطقة اليورو وربما ايضا الولايات المتحدة.
والمصاعب الجديدة التي يواجهها النظام المصرفي قد تحد اكثر من القروض ما سينعكس بشكل اكبر على قطاعي الاستهلاك والاستثمار اللذين يعانيان اصلا من تراجع ثقة الافراد والشركات في تطور الحركة الاقتصادية.
وراجع صندوق النقد الدولي بشكل غير رسمي في نهاية اب/اغسطس توقعاته للنمو العالمي فخفضها الى 3,9% للعام 2008 مقابل 4,1% سابقا، والى 3,7% للعام 2009 مقابل 3,9% سابق