رغم كارثة الدويقة والمخاطر المتوقعة
الحكومة لاتزال تصر علي التمسك بمشروع 'إعمار' بالمقطم..
لاتزال كارثة المقطم تحدث دويا هائلا في الوسط الشعبي والجماهيري، ويوم الأربعاء الماضي اجتمع المجلس المحلي لمحافظة القاهرة برئاسة اللواء أحمد فخر واتخذ قرارا بوقف الانشاءات في مناطق المقطم المختلفة، غير أنه سرعان ما تكشف أن القرار استهدف فقط الانشاءات الجديدة دون التعرض لجوهر الأزمة والمتمثل في العديد من الشركات العاملة في المنطقة وفي المقدمة منها شركة 'إعمار' التي
تقوم حاليا ببناء منتجع سياحي كبير علي مساحة 4 ملايين مترمربع في منطقة الهضبة الوسطي من المقطم وعلي بعد حوالي 2 كيلومتر فقط من منطقة صخور الدويقة.
وإذا كان مجلس الشعب قد شهد هجوما حادا علي شركة اعمار خلال مناقشة قضية الدويقة إلا أن المهندس سامح مهتدي الرئيس التنفيذي لشركة اعمار مصر راح يصدر بيانا للصحف يبرر فيه الأعمال الإنشائية التي تقوم بها الشركة، حيث أشار إلي أن الشركة قامت بعمل دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية دقيقة بواسطة بيوت خبرة مصرية وعالمية رائدة في تلك المجالات.
لقد حذرنا في وقت سابق من خطورة الموافقة علي هذا المشروع في تلك المنطقة المهددة بالسقوط في أي وقت، غير أن كل ما نشرناه وطرحناه ذهب أدراج الرياح أمام تواطؤ الحكومة واصرارها علي المضي في هذا المشروع حتي النهاية دون اكتراث بحياة البشر المهددين من جراء الاصرار علي تنفيذ هذا المشروع ، وهو الأمر الذي أدي بحزب التجمع الوطني الوحدوي إلي اصدار بيان أخير حذر فيه الحكومة من مغبة الاستمرار في تنفيذ هذا المشروع.
لقد حصلت شركة 'اعمار' في ابريل 2005 علي موافقة شركة النصر للإسكان والتعمير التابعة لوزارة الاستثمار بإقامة هذا المشروع علي مساحة 4 ملايين متر، بقيمة 90 جنيها للمتر، وبغض النظر عن كون السعر الذي اشترت به الشركة هو سعرا متدنيا، إلا أن الأخطر من ذلك هو عدم التزام الشركة حتي الآن بالشروط الخاصة بعملية تنفيذ هذا المشروع.
وقد سبق للهيئة الجيولوجية والشركة القابضة للمياه والصرف الصحي وإدارة المرور أن حذرت جميعها من مخاطر إقامة هذا المشروع علي الهضبة العليا للمقطم، غير أن كل ذلك لم يمنع الشركة من التسويق للمشروع وفرض الأمر الواقع.
لقد قررت الحكومة المصرية استثناء المشروع من شرط الحد الأقصي للارتفاع بعدم التجاوز عن 36 مترا طبقا للقانون العام، وحصلت الشركة علي الأولوية لشراء المناطق المجاورة لأرض المشروع، وذلك في حال عرضها للبيع، ونجحت أيضا في الحصول علي نقل صلاحيات المحافظة والحي في اصدار تراخيص البناء إلي شركة النصر للإسكان ومع كل ذلك فإن الشركة لم تف بالمطلوب منها، وفي المقدمة من ذلك قيمة ثمن الأرض، حيث لم تسدد شركة اعمار حتي الآن سوي 25% من قيمة ثمن الأرض للحكومة.
لقد حذرت دراسة جيولوجية أعدتها شركة اعمار نفسها من خطورة البناء علي هضبة المقطم استنادا إلي الأسباب التالية، كما ورد في الدراسة:
- تباين نوعية الصخور من صلدة جدا إلي ضعيفة (طين ومارل)
- تأثر المنطقة بعدة فوالق معظمها تتجه شرقا وغربا.
- يوجد بالمنطقة عدد كبير من الأودية العميقة التي تكونت غالبا علي مسارات الصدوع.
من هنا يمكن القول إن هذه الدراسة الجيولوجية حذرت من خطورة هذه الصدوع، وإمكانية اتساعها نتيجة تسرب مياه الشرب أو الصرف، مما سيؤثر علي الطفلة التي تتميز بها هذه الصخور وهو ما يهدد بتكرار سيناريو الانهيار الذي شهدته منطقة الدويقة مؤخرا.
وقد قامت مديرية الإسكان بمحافظة القاهرة بارسال الدراسة الجيولوجية التي تم اعدادها بمعرفة جامعة عين شمس والتي أكدت أيضا اكتشاف عيون مياه كبريتية أعلي هضبة المقطم وبنفس المنطقة التي سيقام بها المشروع بالإضافة إلي التحذير من خطورة أي أعمال بناء يمكن أن تقام علي هذه الهضبة.
والحقيقة أن محافظة القاهرة كانت قد تصدت بكل قوة وطالبت الشركة بضرورة الالتزام بالشروط المتفق عليها، غير أن الشركة لم تف بهذه الالتزامات وأبرزها:
- دراسة مرورية للمحاور والطرق المؤدية إلي منطقة المشروع لتجنب حدوث اختناقات مرورية في المستقبل خاصة أن الطريق الذي يربط بين منطقة القلعة والهضبة لا يستطيع الوفاء بحاجة السكان الجدد.
- دراسة جيولوجية تجنب مخاطر البناء علي هضبة المقطم لما لها من تراكيب جيولوجية خاصة مع تعهد المستثمر بتنفيذ توصيات هذه الدراسة.
- موافقة شركات المرافق (مياه - كهرباء - صرف صحي) علي ضمان توافر هذه المرافق للمشروع.
من مصادر أساسية نظرا لضخامته ولوجوده علي أعلي منسوب في مدينة القاهرة مع تعهد المستثمر بتنفيذ جميع أعمال المرافق تحت اشراف هذه الشركات.
لقد سبق لهيئة التخطيط العمراني أن اعتذرت عن استكمال الدراسة الخاصة بالمشروع وطلبت من محافظة القاهرة أن تقوم هي بالتخطيط اللازم وعلي مسئوليتها.
ويبدو أن الهيئة أرادت أن تخلي مسئوليتها في هذا الوقت وألا تتورط في الموافقة علي هذا المشروع لخطورته علي الهضبة وعلي حياة المواطنين، في هذا الوقت كانت الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية تدق ناقوس الخطر وتحذر من خطورة المشروع خاصة في حال حدوث تسرب لمياه البحيرات التي ستنشأ سواء كانت بحيرات مياه معدنية من عيون موسي أو بحيرات ملاعب الجولف أو مياه ري الحدائق والمسطحات الخضراء المزمع تنفيذها في إطار المشروع الجديد.
لقد أشار تقرير أعده عدد من أساتذة كلية الهندسة لبحث أسباب ميل الفندق العالمي بهضة المقطم إلي أن الأسباب المتعلقة بالخصائص الصخرية والتراكيب الجيولوجية كان لها عامل كبير فيما حدث للفندق الذي ظل مغلقا حتي اليوم منذ الهزة الأرضية التي وقعت في 31/7/2005 بقوة 5.4 ريختر، حيث بدأت حركة الانزلاق ابتداء من 5/8/2005 مما جعل جزءا كبيرا من أساسات الفندق معلقة في الهواء.
وكان من توصيات أعضاء اللجنة ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل تسرب المياه من مصادرها المختلفة بما في ذلك التسرب من مواسير المرافق المختلفة وري الحدائق بالغمر إلي داخل جسم الهضبة العليا.
كان هذا هو رأي اللجنة المشكلة من عدد من أكفأ أساتذة جامعة عين شمس، فما بالك بمشروع ضخم يحتاج إلي 5 الاف متر مكعب من المياه يوميا؟
وهكذا بعد أن سقطت صخرة الدويقة مجددا علي المواطنين الذين يقطنون عزبة بخيت ظن البعض أن الدولة سوف تتخذ إجراء حاسما توقف عبره أعمال الحفر والبناء التي تقوم بها شركة إعمار في هضبة المقطم، غير أن الحكومة التي تراخت عن تنفيذ توصيات اللجنة القومية التي شكلت في 22/12/1993 برئاسة وزيرة الدولة للبحث العلمي والتي حذرت منذ هذا الوقت من خطر سقوط الصخرة علي عزبة بخيت، جاءت حكومة امتدادا لها لتقرر استمرار العمل بمشرع 'اب تاون كايرو' الذي تنفذه شركة إعمار بالمقطم رغم جميع التحذيرات.
إن السؤال الذي يطرح نفسه: لمصلحة من هذا الذي يجري حاليا؟ ولماذا توافق وزارة الإسكان بكافة أجهزتها المعنية علي تنفيذ مشروع بهذه الخطورة؟!